تونس | المجتمع المدني يدعو إلى "خارطة طريق تشاركيّة"؛ سعيّد: الإجراءات مؤقتة

لا يزال المشهد التونسي يلفه الكثير من الغموض بعد مرور يومين من إعلان الرئيس التونسي، إجراءاته الاستثنائية، دون تقديم خريطة طريق للمرحلة القادمة لتفادي الفراغ الحكومي والتشريعي.

تونس | المجتمع المدني يدعو إلى

سعيّد يلتقي ممثلي منظمات المجتمع المدني (الرئاسة التونسية)

لا يزال المشهد التونسي يلفه الكثير من الغموض بعد مرور يومين من إعلان الرئيس التونسي، قيس سعيّد، تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، من مهامه، دون تقديم خريطة طريق للمرحلة القادمة لتفادي الفراغ الحكومي والتشريعي.

وفيما يتمسك الرئيس التونسي بأن ما أقدم عليه يأتي "في إطار الشرعية واحترام الدستور"، تُطرح التساؤلات حول موعد تشكيل الحكومة الجديدة، التي - بحسب قرارات سعيّد - ستكون تابعة لإرادته إثر توليه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وترؤسه النيابة العامة.

ووسط غموض مطبق على سيناريوهات الخروج من الوضع الحالي، حذرت منظمات المجتمع المدني الرئيسية في تونس، ومنها الاتحاد العام للشغل، اليوم، الرئيس سعيّد، من تمديد "غير مشروع وغير مبرر" للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها يوم الأحد لأكثر من شهر.

وفي هذا السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر من منظمات محلية التقت الرئيس التونسي، أن الرئيس أبلغها أنه يتعهد بحماية "المسار الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات"، وذكرت المصادر أن سعيد أبلغ المنظمات أن الإجراءات الاستثنائية مؤقتة بسبب تعمق الأزمة وأن الحريات والحقوق لن تُمس بأي شكل.

من جامبها، دعت حركة "النهضة"، الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية، إلى تكثيف المشاورات حول المستجدات الأخيرة التي عاشتها البلاد "حفاظًا على المكتسبات الديمقراطية"، بحسب ما جاء في بيان صادر عن المكتب التنفيذي للحركة، اليوم، الثلاثاء، عقب اجتماع طارئ عقدته الليلة الماضية.

واعتبرت الحركة أن "الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية، سعيّد، "غير دستورية وتمثل انقلابا على الدستور والمؤسسات، خاصة ما تعلّق منها بتجميد النشاط النيابي واحتكار كل السلطات دون جهة رقابيّة دستوريّة"؛ وأضافت أن "ذلك ما أجمعت عليه كل الأحزاب والمنظمات وأهل الاختصاص".

وعبرت الحركة عن "تفهمها للمطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلى جانب الخطر الوبائي الكبير الجاثم على تونس (في إشارة إلى تفشي فيروس كورونا)، بما يجعل هذه القضايا أولويّة مطلقة للبلاد تحتاج إلى إدارة حوار وطني ورسم خيارات جماعية قادرة على إخراج البلاد من جميع أزماتها".

ودعت الحركة إلى "تكثيف المشاورات حول المستجدات الأخيرة التي عاشتها البلاد حفاظا على المكتسبات الديمقراطية، والعودة في أقرب الأوقات إلى الأوضاع الدستورية والسير العادي والقانوني لمؤسسات ودواليب الدولة".

كما دعت سعيّد إلى "التراجع عن قراراته ومعالجة التحديات والصعوبات التي تعاني منها البلاد ضمن الإطار الدستوري والقانوني الذي يتماشى والخيار الديمقراطي الذي ارتضاه الشعب التونسي، مع ضرورة استئناف عمل مجلس نواب الشعب كسلطة منتخبة ديمقراطيا".

وحيت الحركة "المؤسّسة العسكرية والأمنية الساهرة على أمن البلاد وسلامته ورمز وحدته وسيادته"، مجددة الدعوة إلى "ضرورة النأي بها عن التجاذبات والمناكفات السياسية"؛ وأعربت عن "تقديرها لكل الذين رفضوا خرق الدستور والتعسف في تأويله وعبّروا عن مواقفهم بشكل حضاري وسلمي، ويخص بالذكر مناضلات الحركة ومناضليها".

ونبهت الحركة إلى "خطورة خطابات العنف والتشفّي والإقصاء على النسيج الاجتماعي الوطني وما يفتحه من ويلات البلاد في غنى عنها"؛ ونددت" بكل التجاوزات"، داعية إلى "الملاحقة القضائية لمقترفيها"، كما دعت الحركة كل التونسيين، إلى "مزيد التضامن والتآزر والوحدة والتصدي لكل دعاوي الفتنة والحرب الأهلية".

ويرى خبراء القانون الدستوري عمومًا أن سعيّد في مأزق دستوري بسبب تأرجحه بين خرق الدستور وتجاوز بنوده من جهة، وإعلانه للرأي العام أنه سيتصرف في إطار احترام نفس الدستور وأنه لن يتجاوز فصوله من جهة أخرى، في وقت لا توجد أسس دستورية لما يقوم به.

ودعت منظمات المجتمع المدني، سعيّد، إلى وضع "خارطة طريق تشاركية" للخروج من الأزمة، وذلك في بيان مشترك صدر عن كل من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والاتحاد العام التونسي للشغل، والهيئة الوطنية للمحامين، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وجمعية القضاة التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وأكدت المنظمات المدنية على "ضرورة احترام السلطة القضائية كسلطة مستقلة تماما عن السلطتين التنفيذية والتشريعية لتتمكن من استرجاع دورها والعمل بكل استقلالية على التسريع في فتح كل الملفات". ودعت إلى "ضرورة وضع خارطة طريق واضحة لا تتجاوز 30 يوما تشاركية مع كل القوى المدنية لحل القضايا المستعجلة كمحاربة كورونا ومراجعة القانون الانتخابي والنظام السياسي ومكافحة الفساد".

وأكد البيان على "ضرورة ضمان استمرارية عمل مؤسسات الدولة وهيئاتها الوطنية وحمايتها من الانهيار"، ودعا كل القوى السياسية إلى "تغليب المصلحة العامة ومعالجة القضايا على قاعدة الحوار والنقاش بشكل مدني وسلمي بعيدا عن منطق التحريض والتهييج".

وطالبت المنظمات المواطنين بـ"ضرورة التحلي بالهدوء وضبط النفس وعدم الانجرار إلى العنف والحفاظ على مؤسسات البلاد ومصالح الشعب العامة والخاصة". وشدد البيان على "ضرورة احترام الحريات العامة والفردية والطابع المدني للدولة واحترام دستور البلاد وحرية التعبير والإعلام والصحافة وعدم الانزلاق نحو التفرد بالسلطة".

وفي هذه الأثناء، يكتنف الغموض مصير البرلمان المنتخب بعد قرار تجميد أعماله شهرا، وعما إذا كان سيستأنف أعماله في 25 آب/ أغسطس المقبل بانقضاء المدة، أم أن سعيّد سيذهب نحو تمديد حالة تعليق نشاط المجلس التشريعي رغم تحذيرات الأحزاب والمنظمات والمجتمع الدولي من تواصل الوضع.

وعارضت أغلب الكتل البرلمانية في تونس قرارات سعيّد؛ إذ عدتها حركة "النهضة" (53 نائبا من أصل 217) "انقلابا"، واعتبرتها كتلة قلب تونس (28 نائبا) "خرقا جسيما للدستور"، ورفضت كتلة "التيار الديمقراطي" (22 نائبا) ما ترتب عليها، ووصفتها كتلة "ائتلاف الكرامة" (18 مقعدا)، بـ"الباطلة" فيما أيدتها حركة "الشعب" (15 نائبا)، والحزب الدستوري الحر (16).

التعليقات